حاوره/ أحمد الجمَّال

الأديب الجزائري عز الدين جلاوجي «رئيس رابطة القلم» الذي أثرى المكتبة الإبداعية العربية بأكثر من 25 كتاباً في الرواية والمسرحية والقصة والدراسة النقدية، ولعل أبرز أعماله: «سرادق الحلم والفجيعة»، «راس المحنة»، «البحث عن الشمس»، «الرماد الذي غسل الماء»، «الأقنعة المثقوبة»، «رحلة البنات إلى النار»... وغيرها.

كيف ساعدت سنوات النشأة الأولى في صقل موهبتك الإبداعية؟

تدرجت في حقل عبق بشذى الإبداع البريء، كان أول ينابيعه جدي لأمي الذي كان شلالاً للحكايا الشعبية، وكنت مدللاً لديه لا يفوت فرصة إلا وسقاني من هذا السلسبيل، ثم رشفت القرآن الكريم على يد والدي الكريم الذي غرس في نفسي عشق العربية والهيام بعبقريتها. بعد ذلك نهلت من مقاعد الدراسة السرديات العربية تراثاً ومعاصرة، إضافة إلى الثقافة الغربية. ذلك كله كان له أثر كبير في بناء قدراتي السردية.

ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟

أن تكتب فأنت في أرقى مصاف الإنسانية، إنك تعبر عن إنسانيتك وتبشر بقيم الخير والجمال.

ما هي منطلقاتك العامة في الكتابة؟

أعيش حيرة واضطراباً وأنا أتلمس دروباً وعرة للقبض على حلمي الخاص في بناء عالمي السردي الخالص. أؤمن عميقاً بأن الأدب الخالد هو ما يهدهد فرح الإنسان وبكاءه، صراعه وأحلامه الداعية إلى قيم الخير والفضيلة، شرط أن يرتقي الكاتب إلى معراج الجمال الذي تشكل اللغة المتلألئة جوهرته المتفردة، ويشكل معها العقد كاملاً جماليات أخرى كثيرة... الكتابة حلم جميل للأديب والمتلقي معاً، وأي أدب لا يحقق ذلك فهو أدب ميت.

الحكي الغرائبي كما في روايتك الأولى «سرادق الحلم والفجيعة»، هل هو سمة عامة في إبداعك؟

لا أستقر على تجربة واحدة وأكره أن تكون كتاباتي نسخاً متشابهة بغباء كالأوراق النقدية، فالحياة لا تتكرر وعلى الأديب أن يكون أرقى من الحياة نفسها. فعلاً يلمس المتلقي غرائبية مطلقة في «سرادق الحلم والفجي عة» على مستوى الشخصيات أو المكان أو الزمان وحتى اللغة وهندسة النص، فهذه الرواية ثورة على المستويات الأدبية كافة غير أن النخبة وحدها هي من تفاعلت معها، ولعل مجموعتي القصصية «صهيل الحيرة»، تتلمس الدرب نفسه، لكنني لا أزعم أن بقية نصوصي كذلك، وإن كانت المسرحية منها تعانق الرمز وتلبسه، خصوصاً «البحث عن الشمس» و{النخلة» و{سلطان المدينة».

يتنوع إنتاجك الأدبي بين القصة والرواية وأدب الطفل والمسرح... إلى أي حد أفادك هذا التنوع على مستوى الكتابة؟

تعرف أن الحدود بين الأجناس الأدبية مُحيت. لست أحد الداعين إلى كتابة نص هجين لقيط لا أصول له، بل إلى تناص الأجناس الإبداعية، وعلى رغم أنني أحمل نفسي لأخلص للرواية غير أن نبض الأجناس الأخرى يقهرني أحياناً، ولا أملك إلا الاستجابة له.

كيف ترى العلاقة الأدبية بين مبدعي المشرق والمغرب العربيين؟ وما سر عدم تواصلهم بشكل كافٍ من وجهة نظرك؟

الجريرة الكبرى في عدم وصول كتابات المغاربة عموماً إلى ا لمشرق مما جعلهم نكرة، على رغم وجود طاقات إبداعية عظيمة في هذه الدول كافة. وقد وجدنا كتاباً يتحولون إلى الفرنسة لأنها تأشيرة الذيوع الأسهل، ويتحمل وزر ذلك المسؤولون الذين لم يخططوا لتحقيق انتشار الأديب تاركين العبء عليه وحده كأنه ليس استثماراً مهماً. كذلك تتحمل المسؤولية دور النشر التي نسيت دورها الطلائعي وحصرت همها في ملء الجيوب والبطون بجشع كبير. أما كتابات المشارقة فتشرق علينا وننعم بدفئها، فيما التواصل قائم ولو بجهود فردية نرجو أن تتعمق، ويُنفق على الإبداع، ما يبذر في تفاهات وفقاعات.

ما أبرز ما حققته في «رابطة أهل القلم» وأنت رئيسها، وماذا عن خطتك المستقبلية في هذا الشأن، وهل ثمة وقوف إلى جانب التجارب والمواهب الشابة؟

حققت الكثير على رغم جهودنا الفردية. أسسنا ملتقى عربياً في الرواية رسا على طبعته السادسة، ونشرنا عشرات الكتب معظمها لتجارب يانعة، ومما قدمت أخيراً ديوان الشاعرة حنين عمر «حنين الغجر»، والشاعرة خالدية جاب الله «للحزن ملائكة تحرسه»، والشاعر عبد المالك سعيدي «سفر إلى مملكة المستحيل»، ونحضر لطبع عشرات الأعمال الإبداعية والنقدية ومستعدون إن وجدنا دعماً أن نقدم أكثر وأكثر، بل ونحلم بإصدار مجلة إبداعية تحمل صوت المبدع الجزائري والمغاربي إلى العرب كلهم.

كيف ترى المشهد الإبداعي العربي عموماً وما أبرز العقبات التي تقف أمام المبدع العربي اليوم؟

المشهد الإبداعي العربي باهت ومريض، وقد تطاول الأقزام وقادوا السفينة. أرى المدّعون في كل وطن عربي ويقدمون أنفسهم على أنهم مبدعون وأدباء، ويحظى البعض منهم بحضور إعلامي كبير، ومنشورات في دول عربية محترمة على رغم أن لسانهم لا يستقيم على سطر واحد سليم من الأخطاء، وأن تتجرع الحنضل أو تأكل شوك القتاد أحلى لك من أن تسمعه.

تحدثت كثيراً إلى إخواني الأدباء في الوطن العربي فاشتكوا لي من الجرح نفسه ومن الألم عينه، والإعلام يتحمل وزر التصفيق والهتاف للطبقات الدنيا من المبدعين وتجاهل الفرسان الحقيقيين.

كيف تعامل النقاد مع تجربتك نقدياً منذ الإصدار الأول وحتى الآن. وهل أنت راض عن الحركة النقدية في الجزائر عمو ماً؟

أعتقد أنني محظوظ من هذه الناحية، إذ قُدمت عن أعمالي لا سيما الروائية منها عشرات الدراسات النقدية والبحوث والرسائل الجامعية، بل وصدرت كتب عن تجربتي، آخرها «سلطان النص» الذي ضم مقالات عن روايتي في 520 صفحة، بأقلام نقاد جزائريين وعرب من المغرب ومصر والأردن وغيرها من دول عربية.

عموماً، الحركة النقدية في الجزائر قوية وجامعاتنا الكثيرة تزخر بمخابر نقدية مهمة، لكن ما ينقصنا مجلة ذات قيمة علمية توزع عربياً وتكون منبراً لهذه الأقلام حتى يسهموا في التعريف بجهودنا الإبداعية، وحتى لا يفر الصوت الجزائري المبدع إلى رحاب مجلات عربية أخرى كثيرة، إلى درجة أنه صار مهيمناً على بعضها.

يقولون إن ثمة جيلاً جديداً من أدباء يمكن تسميتهم بجيل أدباء الـ{فيسبوك»، كيف ترى ذلك؟ وماذا أتاح هذا الموقع الإلكتروني للأدباء العرب في الآونة الأخيرة؟

لهذا «البعبع» مزاياه وسلبياته. أحييه بعمق لأنه كسر بيننا الحدود والمخافر وأخرس الكلاب التي تكشر فينا وفي إبداعاتنا عند كل مركز حدود، وبفضله تعرفت إلى عشرات الكتاب والأدباء بل والقراء الذي عرفوا كتاباتي وقرأوها من اليمن حتى المغرب الشقيق. أما سلبياته فتتمثل في أنه يمتص منا وقتنا ويصير أحياناً ضرة للإبداع، بل ويسمح للمدّعين الذين رفضتهم المنابر الإبداعية بتقديم أنفسهم على أنهم رسل الكتابة.

بماذا يحلم عز الدين جلاوجي؟

بأن تخلص الحياة لي وتسمح لي بكتابة الأجمل والأرقى، لأكون خادماً لها... خادماً لأبنائها أزرع في ربوع قلوبهم الحب والخير والجمال، وأجتث منها الأنانية والحقد والتعصب


0 التعليقات

أكتب تعليقا على الموضوع

جميع الحقوق محفوظة جمعية الكلمة تصميم مكتبة خالدية