الدخول فجرا إلى مملكة الزجاج



قراءة في نص الشاعرة الكينية /سولارا الصباح، بقلم/ الطيب لسلوس

تتبعا لمسار الشاعرة الشفافة جدا سولارا الصباح يزيدني إغراء لقراءة نصوصها وكان إحساسي أحيانا عند التعاطى مع نصوصها التي اتوهم أن هناك التزام أخلاقي ازائها لو تركته لمرت تلك النصوص إلى عميق الصمت ولا يرى الكثير من كنوزها وإلى أن هناك انتباه خاص إلى الوجود الذي يلف هذه النصوص، نمر على أيقونات كثيرة تؤثث الجملة الشعرية التي هي بمثابة الكون الخاص للشاعرة. أو لنقل أن عالم أو أيقونات النص عند سولارا الصباح هو صنيع زجاجي أو أكاسير على القارئ أن يتجلى بحدة وأن يختار وقت الدخول إلى عالم نصها قلت مجازا أن وقت الدخول هو الفجر حيث بداية الاشياء وهي تستيقظ من نومها ومن صلصالها العتيق هناك من ليلها الأبدي حيث الظلال ما تزال الدليل الوحيد على الموجودات والظلال هي الدليل أو الاثر الأكثر حضورا من والوجود فعلا، الاشياء في ذاتها في تلك اللحظة بالذات حيث يتاح لنا أن نرى العالم لأول مرة وليس سهلا أبدا العالم أول مرة، إنها العودة إلى الحياةبكامل طغيانها وبكامل بساطتها العبقرية

نص رقية الموت

أو رؤية الموت أو مابعد الحياة والموت لكن رقية الموت مما يا ترى، العنوان مشع وهذا دأب النص من البداية حتى النهاية


الموت بدء لجناح الريح.
للروح التي تلتمس الضياء

وربما كانت الحياة بدء أيضا لجناح الريح هذا ليس الوصف الوحيد إلى الحياة في عزلة البداية أتى هكذا من عين الشاعرة إلينا بل هو وصف يتردد كثيرا في كل الديانات "الكلمة" في الانجيل وهي الريح أو النفس وهي عناوين البداية للكينونات كثيرة في المدونات التي تصف بداية حياة، اسماعيل مثلاأو الملاك الذي يسمع والريح حيث بدأت الكلمة. بدأ الاسم بوصفه عالما ينهض من النسيان الأبدي. مهم أيضا الاشارة إلى الزمن إنه زمن الدائرة زمن يبدأ الاشياء ويعيدها من حيث بدأت لتبدأ من جديد حيث لا تقرر الجملة ما إذا كانت الموت بداية العدم أو بداية الكينونة فالجملة مفتوحة على ما بعدها.

الروح أو الريح الفارق هنا ضئيل وحتي عند العرب فإن كلمة الريح أو الروح تلدان من نفس المبنى الاختلاف فقط في فزياء الوجود للأولى والثانية لذا فقد فرق بينها بالواو هذه الروح التي تلتمس باحثة عن الضوء كأنها مشتاقة إلى مكانها الأخير تذكر هذه الجملة بما يذهب إليه فيلسوف الجمال أفلاطون والرازي الأول في مفهوم العقول العشر وكيف أن العقل العاشر يعتني بكل العقول الأخرى لأنه هو الذي يحيط بها ويمثل ذلك بدوائر تحتوى الواحدة الأخرى وأن العقل العاشر محيط النور الأبدي حيث ترتقي حالات الكيونونة إلى أن تصل إليه. الرازي يقول أيضا ذلك بوصفه أفلاطنيا كبيرا في كتاب الشقاء والسعادة حيث الجنة والنار هما مدا قربنا وبعدنا بعد الموت من النور الأبدي الالهي وبعد أن تصف الشاعرة رؤيتها إلى الجمال والكون تصف الفعل المميز لهذه الروح التي تلتمس أي أنها في حالة عمه دلالي وأيقوني لا يوصف وهي تائهة تتلمس طريقها إلى النور.حيث تصف الضياء في الأخير.


أنه فاتح الكون للعدم
أقول: الغياب


أي أن الضياء هو فاتح الكون للفناء وبالضرورة هو فاتحه للوجود لأن الجملة تحتمل المعنين معا. يمكن أن يقال كحاشية أن كل ما تقوله الشاعرة في هذا النص يخضع إلى نظرية الفزياء كأن هذا النص هو طرح نظريةأو ربما كما يقال أن الشعر هو الفاتح أو المتقدم إلى صلابة العمى فاتحا نار الرؤية على العالم قبل العلم والنظرية لأن هؤلاء هم أطفال الشعر الصغار يأتون فيما بعد ذلك شارحين وموضحين لرؤية الأب أو الأم لأن الشعر أيضا كائن الهيمرمافروديت. وبعد أن رسمت الشاعرة نظرتها على اللوحة المتحركة التي تختزل الوجود والعدم بكل علاته وأسبابه تضعنا أمام القول الفاتح أو اقتراحها الخاص لأن ما سبق هو كله معرفة سبقتها مدونة ومهضومة وربما متجاوزة في بعض الأحايين تقول ..أقول.. أي أنها تريد التسمية من جديد لكل ما سبق.
إنها تريد أن تقول الغياب بألفه أو دون ألف الغيب. وهنا لا فرق أيضا بين الغيب والغياب لأنها لا تمتلك سوى نبؤتها كشاعرة في تلك اللحظة لحظة القول كفاتح للكينونة، بعد كل ذلك تبرر لماذا تريد قول الغيب. فقط لترى فسحة الصمت


لأرى فسحة الصمت
دخول الظلام


قول فسحة الصمت الأبدي لوصف الاراضي الطرية، لمعنى الوجود الانساني تلك الارض التي علينا أن نسميها لتوجد ولتزداد صلابة، لتخرج من حالة صمتها الوحش إلى الأنسنة، ترى الشاعرة أن الخيار الوحيد لكل ذلك هو قول بداية الظلام أو قول الظلام بــ: دخول ظلام تلك الارض بوصفها أرض البداية الدنيا للوجود وفي شبه تقديم لأثبات أن أرض البداية هي الظلام، دخول الظلام تمثل لنا مثالا وتقول.

رموز الصراخ:
لكأن الحزن انتظارا


الولادة بالصراخ صورة لم تفارق الواحد منا حتى يتعدد في العدم، الولادة معبرا عنها في شكل صراخ تراها الشاعرة هي محض فرح أول بادئ للكائن كونه تخلص من روح الظلام التي كانت تسكنه حتى القرار فرح أول وبادئ ولا ينتهي حتى أن كل أحزان الكائن تأتي من كونه ينتظر السفر إلىالضياء الأبدي أنظر ما تقول الشاعرة

لكأن الحزن انتظارا إذن مصدر الحزن هو انتظار موعد السفر إلى الكينونة العليا، الكينونة الخالقة حيث السمو إلى الكائن الأعلى الذي هو منبع كل شيء وإلالهه. الحزن بسبب الشوق الأبدي الذي هو نار توقدها الحقيقة فينا ومنا وإلينا ولنا ولأننا هي متجلية في شكل حزننا الذي يدلنا على شوقنا لها كونها نحن. تقول الشاعرة أن الانسان مدفوع إلى تجريب كل شيء يضنه طريق إلى أمل في الخلود الخالد.


أطلق رغبتي في امتلاك الخلود
أمنح كفي لجرأة العبث


الرغبة إذن إحدى الطرق التي وصفتها معظم الديانات على أنها الحالة البادئة وتجربة تثبت إلى حد اللحظة نجاعتها في الطريق إلى الخلود إنها الرغبة في البقاء حفظ الحياة في النوع البشري ثم الانساني إنه الحل الوحيد المتكرر والناجع في وجه نسر العدم الضاري الذي لا تطرف له عين وهو يمزق وجودنا نتفا ويقدمه إلى صغار النسيان الأبدي طعاما متفسخا ومأكولا كعصف لكن رغبة الخلود تترك دائما مايبقى واقفا في النهاية صلبا على منقار النسيان الأبدي إنه الانسان نفسه كنوع وكأيقونة نجرب عليها الفن الذي يتصلب ويصبح علما ويتصلب ويصبح دينا ويتصلب ويصبح شيئا خالدا في وجه النسيان.
إرادةالخلود بالرغبة ماهي إلا وجه من وجوه التجربة العقلانية لأرادة الخلود عبر النوع لكن الشاعرة تفتح أيضا بابا آخرا. عله طريقا إلى الخلود لأنها ترى أن العقل والنظام ليس ضمانة قطعية نحو الخلود. لذا فالعبث أيضا طريق مفتوح كمحاولة تستحق التجريب، تخريب المعقول بإرادة إنسانية أخرى تلم شتات العشوائية. لم تجد الشاعرة أو لم تقترح طريقا آخرا ربما لأنه لا يوجد. تختم الشاعرة بجملة غلق طويلة نسبيا تقول ودون توقف على الأقل من حيث المعنى

أشحذ الحياة وثمة طين يسقط في نطفة ماء
يدخل
يدخل
يدخل
يفتح صلصلال الكون

تبدو هذه الجملة وكأنها نتيجة ولكنها أيضا صدمة الحقيقة الفزيائية للوجود الصامت عنا كلما قدمنا تفسيرا حول الحدود التي تستنطق في فسحة الصمت العظيم والتي ينطلق منها النص كفضاء عام للشاعرة في تحديد العين التي تتأمل ومفاد هذه الصدمة أن كل ما قالته سابقا وما احتملته سابقا من طرق إلى الخلود ماهو إلا دورة صغيرة وحلقة من الحلقات الكبرى في عمر الكائن الاعظم والأكبر من الانساني بل وربما لا يأبه لوجود هذا الكائن الصغير الذي يعد نفسه عبر طينة بللها ماء الحياة الذي هو ماء لا يخص هذا الكائن البشري الأسيرفي قفص محاولة الخلود، بل يخص هذا الماء الكون الذي هوأيضا حيوان أعظم وأكبر وأطول حياة, أرسخ في القدرة على الوقوف في وجه النسيان الأبدي وربما هو كائن له قناعان قناع التذكر الأبدي وقناع النسيان الأبدي.
رغم أن هذا النص قصير لكنه مشحون كثيرا بقراءات عدة ربما لامست منها كوة صغيرة. من بينها أن النص يقرأ العالم من حيث أنه هرمونيا من الفزياء الكلية التي تغلف الحقيقة التي لا تستطع حدود البشري اختراقها والنص مفتوح على الكثير من القراءات وقد قلت من البداية أنه حسبي أن أوضح أن الفجر هو وقتالدخول إلى مملكة الزجاج والصمت هو الوحش الوحيد الذي علينا أن نكونه ونتظره ليتكلم عنا في ألخير

نص
رقية الموت

. الموت بدء لجناحِ الريح,
للروحِ التى تلتمس الضياء,
فاتح الكون للعدم
أقول :الغياب
لارى فسحة الصمت, دخول الظلام,
رموز الصراخ,
لكأن الحزن انتظارا.
أطلق رغبتى فى إمتلاك الخلود
أمنح كفى لجرأة العبث
أشحذ الحياة.
وثمة طين
يسقط فى نُطفةِ ماء
يدخل
يدخل,
يدخل
يفتح صلصال الكون


0 التعليقات

أكتب تعليقا على الموضوع

جميع الحقوق محفوظة جمعية الكلمة تصميم مكتبة خالدية