الشاعر الطيب لسلوس: السعداء قلة في بلدي.. علينا أن نؤسس للسعادة


حاوره/ الخير شوار

الطيب لسلوس، صوت شعري جزائري “تسعيني” متميز، انطلق من “الكلاسيكية” لينسفها عن وعي ويؤسس تجربة صدرت إرهاصاتها في مجموعة “هيروغليفيا” منذ سنوات ولم تنل حظها من الاهتمام،
وإذا أردت أن تقرأه عليك باقتفاء أثره في بعض مواقع الشبكة العنكبوتية، فهو قليل النشر بل منعدمه في الصحف المحلية السيارة، ولمعرفة مآل تجربته كان علينا محاورته بسؤاله أولا عن الجديد فكان هذا الذي كان:

ما جديد تجربنك الشعرية؟

اسمع أنا سعيد.. صدقني اكتشفت ذلك فجأة، يتعكر صفوي فقط ربما مثلا أتذكر أن السعداء قلة في بلدي. أعتقد أنه علينا أن نؤسس للسعادة. لست أدري هل العبقرية أو البداهة هي التي ألهمت رئيس بلدية تيرانا إيدي راما في أن يجعل الناس لمدة سنة يتحدثون عن الألوان، لقد قال يكفي أنني جعلت الناس يتحدوث عن أذواقهم في اللون بينما كان غيرهم منشغل بإدارة الحروب. أجد هذا شعرا.
لا أضن أن الأمر انقطع عن تجربتي الأولى التي أعتبرها ضرورية بالنسبة لي رغم أن هناك ما يقال فيها كتجربة ربما يكون علينا أحيانا أن نرمي أنفسنا من الأعالي وأثناء السقوط سنستنفر كل ما نملك من مواهب من أجل التلحيق الذي سيمنعنا من الهاوية فكما تعلم لنا كل الوقت ونحن نسقط أن نؤمن ان الطيران هو السبيل الوحيد للحياة ومن هنا يأتي الجديد في تجربتي وأضنني رأيت بعض الريش ينمو بين أصابعي. بدليل أن عينا النص البصري قادتاني إلى كشوفات مارقة عديدة خلصت في نهايتها إلى أن هناك عين ثالثة ترعى الكل فاطمأنيت.
رغم تميز نصوصك إلا أنك قليل النشر وإن نشرت ففي الصحافة الدولية لماذا؟
أنا جبان، أخاف من القارئ، هناك دوما قارئا أكثر عمقا منا له كل الوقت أن يشرب ما نقول على مهل مرة بعد مرة قطرة قطرة وسوف يحكم في الأخير. أنا حقا أخاف لكن حين أقرر أن أنشر فأنا كطفل الكتاتيب حين يختم حزبا أدور على الكل ليباركوا ما حفظت. أما فيما يتعلق بالنشر على الانترنيت والصحافة الدولية. أولا لأنني أحب أن أتلقى آراء من كل الوطن العربي فيما أكتب كما انني كاتب عربي بالعموم وجزائري بالخصوص. ثانيا لأننا في الجزائر لا نمتلك إعلام أدبي مميز إذا استثنينا ما يبذله البعض على صفحات الجرائد وهو غير كاف، ولست أدري ما المانع أن تعاد آمال وألوان أو أن تبتكر عناوين أخرى لأن هذا أقل ما يمكن أن يحدث مقارنة بما هو موجود في دول عربية أخرى صحيح نحن لسنا الأكثر خلقا للثروات الثقافية فلماذا نكون الأقل.

كنت كثير الاهتمام بالفنون البصرية حتى اصبحت هاجسك الأول تقريبا وقد أثمر ذلك مجموعة “هيروغليفيا” الشرعية، هل ما زال ذلك محور اهتمامك؟

كنت أبحث على نافذة السذاجة، فالعالم معقد والانسان يعيش مسائه بحماقات يسميها مجده الحداثي. لم استطع ان أفهم الكثير من الأشياء سيما ما مرت به الجزائر وما يمر به العالم العربي من عنف، كنت أريد أن أقف على ملكة العنف هذه. استعديت للجنون وهيروغليفيا لم تكن إلا الجلد الذي طرحته في الجنون أنا أشكر جميع من رافقوا خطاياي وأشكرهم لما فعلوا بي وبذلك الوحش الطيب الذي لم يكن طيبا البتة. أما الفنون البصرية فهي ضرورية ما دام حقل التجربة والكائنات المستهدفة أكثر بدائية إي حسية وفي الرسالة البصرية تصبح الرسالة هي الوسيلة لذا علينا أن نبذل كل فنونا ليكون لها المضمون البصري حتى ذلك الجانب السمعي منها.

الآن وأنت على بعد مسافة من هيروغليفيا، كيف تقرأها؟

هيروغليفيا علمتني الأسوأ، كتبت هيروغليفيا وأنا أشعر بكذبة طويلة أسمها نحن، تمتد من بداية الخلق إلى اليوم، سمح لي ذلك أن أكذب دون هوادة، سمح لي أن أرى أن الكتابة في المتن الشعري الثمانيني والسبعيني هي مجرد تكديس وأحيانا مزيف بتغذيه من قيء الأيديولوجيا، طبعا هذا لا ينقص من روعته شيء كونه تاريخي وحقيقي، ورأيت عبر الوطن العربي وليس في الجزائر فقط أن المتن التسعيني بإمكانه أن يمتد في أبعاد أخرى أكثر تلباسا بالإنسان ولتصير الكتابة هي حفر على خلاف ما كانت ترى. لم أر أبدا أن أدونيس هو عرابي رغم ما حاول من خلال نصوصه أن يستوعبني، عاندت في البداية فكانت لي نصوص لم ترضني رغم أنها أرضت الكثير لأنني رأيت الشعر منذ البداية يتدفق بين كلمات محمد الماغوط وأنسي الحاج وأبي شقرا هؤلاء الذين كانوا بهدوء يقودون البركان المتدفق من أعالي الجبل إلى البحر مشكلين جزر جديدة فيما أعتقد المتحمسون أنه بثورة البركان سيضطر الملوك لتقديم القربان له كي يسير إلى البحر ويهدأ ولم يهمهم البتة ما رسم البركان من أرض جديدة على الشاطئ. أعتقد أن جيلا كجيل أنسي الحاج كحساسية كان ينظر إلى الماء حيث ستقف أقدام أخرى ستأي بينما راح الجميع يشاهدون في فضول إلى حجم القربان ما يكون. وهذا ليس انتقاصا من أحد بل انصافا لما يبقى. وقد تخلصت من كتاباتي قبل هيروغليفا لأنني رأيت فيها صيحة المطالب بالقربان وفضول الإجابة عن سؤال. “ما الذي يعطيه الملوك مقابل كل هذا” لم أشعر أنها لعبتي. ربما تكون هيروغليفيا عمل غير مميز ولكنها بالنسبة لي تجربة طهرتني من إنسان كنته وأعطتني وجهي الذي هو قناعي أهدي سيول البركان إلي البحر ربما يتاح لي أن أصف بعض سكان تلك الجزر التي ستصبح أرضا يوما إننا دوما غدا نكون؟

الطيب لسلوس عرف ضمن حساسية ما بعد أكتوبر 1988 الذي سمي “جيل القطيعة”، هل حدثت القطيعة فعلا؟

القطيعة تحدث كل يوم ولست أنا أو غيري من يقرها إنها إرادة قوى التاريخ في كثافة اليومي والمتحول ولست أدري لما يشعر البعض بالقشعريرة حين نتكلم عن القطيعة مع أنهم هم أنفسهم بإمكانهم أن يحدثوها، والقطيعة لا تعني عدم التواصل مع أشخاص بعينهم أو فترة بعينها، إنما تعني أن هناك مجموعة من المعارف حول تجربة معينة أو فهم معين أصبحت محاطة بملابسات أو غير منطقية أو متجاوزة فمنذ متى صارت الفكرة تعني إنسان بعينه. كما أن القطيعة ليست فعل عشوائي بل هي فعل فلسفي ومعرفي يتيح للوعي نقد نتائج التجربة. ألم تكن جزائر ما بعد وقبل الاستقلال تجربة أليست نضالا يوميا إذن، فلماذا لا يقبل نقد هذا النضال فهو لم يعد ملك أحد بعد، كما أنه غير متعالي أو فوق تاريخي. حتى ولو تنصل منه البعض كونه ما كان، وأنه هم. كما أن القطيعة لا تعني أبدا رمي ما قبلها في سلة المهملات. ومازلنا سنعاني من الآخر أكثر مما يحدث الآن في العالم العربي من نهب للثروات وانتهاك لقيم الانسان ذلك أننا مازلنا لم ننتقل من مفهوم المقاومة الذي أملته شروط قديمة للإستعمار إلى مفهوم المشاركة الذي تعنيه الشروط الجديدة للرسوخ في وجه التحولات والاقتصادات الجديدة. والمفاهيم الجديدة ترى أن الانسان في تحوله من النوم على وسادة المجد الماضى الدافئة دائما إلى الانتباه إلى ما حوله من حياة تحتاج إلى ترميم يومي وإضافة تبدع هذه الحياة. علينا أن نعلّم أطفالنا كيف يبدعون حياة جميلة تسع الجميع.

وأنت تشتغل في الاعلام والتنشيط الثقافي، كيف تقرأ المشهد الثقافي الحالي في الجزائر؟

أبدأ بأسف عظيم حينما يتحول الحوار الثقافي إلى منابزات إعلامية تذكر بعجائز “دار السبيطار” (في رواية “الدار الكبيرة” لمحمد ديب). غير ذلك أنا سعيد كما قلت سعيد بالأصوات الجديدة المؤسسة للمتن الروائي والشعري سعيد بعمارة لخوص والخير شوار ومفتي بشير وعبد الرزاق بوكبة وعلي مغازي وكمال بركاني وعبد الحميد عمران وأسماء كثيرة أعتذر عن ضيق المساحة لذكرهم. ومنزعج ممن يحاول إرفاق كلمة أدب استعجالي على كتابتهم. الكتابة الجديدة هي الإنسان الذي مزقته تناقضات بعض القيم التي لم يتسن للإنسان الجزائري هضمها براحة وتأني. وإذا كان علينا أن نسمع هذا الإنسان الذي لم نسمع له من قبل إلا من حيث هو أداة تغيير واقع والنظر الآن إلى تغيير نظرته هو إلى ذاته وإلى الآخرين فلنفعل ذلك في كتابات هؤلاء.. إن التعنيفات التي حدثت على مستوى بنيات الفرد ليست بالأمر الهين قذفها في أبعاد إيجابية طبعا أنا من جيل لم يجد هدايا جميلة لذلك فهو المخول أن يتكلم عن الجمال كتصعيد للحالة الحرمان على الأقل لهذه العشرية. وليس من حق أحد أن يطالبه بنسيان تلك اللحظات السوداء التي مرت، لأنها هي مصدر إلهام كل ما يستدعى عدم وجودها مرة أخرى هذا إذا كان فعلا المطلوب إنسان لا يريد العنف كمظهر عام أو خاص في حياته أو حياة غيره. نحن نعرف أن ما من مرحلة نريدها أن تدخل كبنية إيجابية في وعي الفرد إلا ويجب استنفاذ جوانب هوامها فكيف نؤسس للجمال دون توضيح تناقضاته السلام عنف العدالة الظلم الحق الواجب كيف يمكن تأسيس هذه الثنائيات. على الممحاة أن تزيل روح أستاذ الإملاء من أنفسنا أولا. وأخيرا المشهد الثقافي الجزائري في عودة جميلة وحضور عميق مكنه في الخروج من عزلته التي رسمت خلال العشرية السابقة وهذا انجاز كبير ربما يتعزز بالعودة إلى الواجهة العربية بوثوق أكبر من خلال بعض الأسماء التي تلمع هناك في الوطن العربي أو في حوض المتوسط وهنا على الساحة أو من خلال الشراكات لبعض الجمعيات الثقافية مع ناشرين ومؤسسات ثقافية. ينقصنا من الان إذا كنا فعلا نؤمن بالكاتب كفاعل قلت ينقصنا صناعة وتسويق الأسماء الأدبية نحن لا نعمل على ذلك أبدا بينما أصبح هذا ضمن السياسات الثقافية الراسخة في ذهن الوعي السياسي في العالم لأن ظاهر الانتشار أي كان أصبحت علما قائما بذاته تشرف عليه مخابر وتتنبأ بأثره وحدوده وتتبناه مؤسسات والكاتب هو أيضا فاعل يحتاج إلى الانتشار لأنه قناع من أقنعة المسرح العام الذي عليه أن يشد الأنظار إليه.

ماذا ننتظر منك في المستقبل القريب، هل من تجربة أدبية جديدة؟

“جدار حتى الضحك” هو عنوان مجموعة أنوي نشرها، إنها عتبة أخرى أكثر نضجا من “هيروغليفيا” ربما ما يجمعهما كوحدة هو الضمير الذي لم يتحول أي التأنيث بدءا بتلك الاختزالية للوجود في ضميرين للوعى التأنيث والتذكير اللذين يشطران الوعي إلى شطرين لا أرى ثالث لهما. كما أن هناك بعض القصائد وهي نصوص مضادة “لفجر إسماعيل أو حمد الآلاء لمحمد ديب” رحمه الله والتي رأى فيها أن اسماعيل ملاك السمع بينما وجدت في إسماعيل الصياد الذي يرى قبل أن يسمع استنادا أيضا إلى اسماعين بالنون وليس باللام حيث أخذ محمد ديب إرث إسماعيل من التسمية التوراتية بينما وجدت إسماعين دارجا منذ القديم بالنون في العربية. طبعا هنا مجرد مقاربات لتلك التجربة العظيمة وكي أبقى وفيا لذلك الجانب البصري من اللغة وجدت متعة أخرى في سيرة إسماعين الصياد. تجربة الجدار حتى الضحك أيضا كتابة لنهايات المعنى الذي ينتهي دائما بالجدار الذي سنصاب بعده بالجنون من حدود القول الذي كنا نعتقد أن براريه لا تنتهي طبعا هنا سنصاب بشيء ما عند الوقوف على الجدار ربما بكى البعض ربما جنوا فعلا ربما انسحبوا إلى كوة الصمت ربما ماتوا خوفا ربما انتبها أن ما بعد الجدار هناك حيت حياة أخرى آخرة أما أنا فأترك للقارئ ما فعلت عند الوصول إلى الجدار


0 التعليقات

أكتب تعليقا على الموضوع

جميع الحقوق محفوظة جمعية الكلمة تصميم مكتبة خالدية