الرمز الصوفي في الشعر الجزائري المعاصر وآليات التأويل

الرمز الصوفي في الشعر الجزائري المعاصر وآليات التأويل، بقلم/ د- هيمة عبد الحميد

- الرمز الصوفي والتأويل:

"يرى (تودوروف) أن الفرق الأساس بين الخطاب والرمز لا يكمن في الطابع اللغوي، وإنما يبرز من كون المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي يوجدان معًا في الخطاب، بينما لا يوجد سوى أحدهما في الاستثارة الرمزية (Evocation symbolique)، ومن ثمة فالمتلقي يفهم الخطاب غير أنه يقوم بتأويل الرموز"(1).

وهذه الصلة بين الرمزية والتأويل هي التي تحتم على كل قارئ للشعر الصوفي أن يتوسل في الاقتراب منه منهج التأويل، "ويغدو الرمزي مدخلاً مركزيًا للضرورة التأويلية عبر فعل التلقي نفسه ... غير أن هذه الضرورة التأويلية ليس يحددها الإنتاج النصي وحده، وإنما تنبع أيضًا من رغبة المتلقي وإرادته، إن التأويل الرمزي يغدو استراتيجيةً تأويلية منطلقها المتلقي وموقعها النص"(2).

من هنا يفرض التأويل نفسه أداةً لقراءة الشعر الصوفي (الرمزي)، ويصبح بديلاً للتفسير الذي هو –كما يقول السيوطي-: "من الفسر وهو البيان والكشف، ويقال هو مقلوب السفرُ، تقول أسفرَ الصبح إذا أضاء، وقيل هو مأخوذ من التفْسِرة، وهي اسم لما يعرف الطبيب به المريض [أما التأويل] أصله من الأول، وهو الرجوع فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني، وقيل من الإيالة وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ووضع المعنى في موضعه"(3).

التأويل إذن ذو منحى تأصيلي (إرجاع المعنى إلى أصله) وهو ما ينطبق على القراءة الصوفية التي تتجسد من خلال صرف الظاهر واعتماد الباطن لفهم النصوص وفق دلالتها الأصلية. وفي هذا المضمار يقول نصر حامد أبو زيد: "إذا كانت كلمة تأويل تعني الرجوع إلى الأصل، وتعني أيضا الوصول إلى الغاية والعاقبة، فإن الذي يجمع بين الدلالتين هو دلالة الصيغة الصرفية (تفعيل) على الحركة، وهي دلالة أغفلها اللغويون في تحليلهم المعجمي، لذلك يمكن القول إن التأويل حركة بالشيء أو الظاهر إما باتجاه (الأصل) أو في اتجاه (الغاية) و(العاقبة) بالرعاية السياسية، لكن هذه الحركة ليست مادية بل هي حركة ذهنية عقلية في إدراك الظواهر"(4).

يتخذ التأويل إذن مشروعيته في الشعر الصوفي انطلاقًا من أنه يتخذ شكلين: ظاهري وباطني، وهذا يفرض علينا تبني التأويل للكشف عن هذا المعنى الباطني، ويغدو التأويل فعلاً شاملاً يستعين بمختلف المعطيات اللغوية والفكرية للكشف عن دلالة النص.

ويميز الدكتور (محمد عابد الجابري) بين عدة ضروب من القراءة يهمنا منها الضرب الأخير الذي يسميه (القراءة التأويلية) أو القراءة ذات البعدين، وهي قراءة تعي منذ اللحظة الأولى كونها تأويلاً، فلا تتوقف عند حدود التلقي المباشر، بل تريد أن تساهم بوعيٍ في إنتاج وجهة النظر التي يحملها أو يتحملها الخطاب(5)، فالمتلقي إذن ينبغي له أن يستضيف النص، ويعقد معه صلاةٍ حميمة ليتعاونا معًا على إنجاز مهمة الفهم والتأويل، ويعني هذا أن المتلقي لا يدخل عالم النص مجردًا من النوايا، وإنما يدخله مزودًا بأفكاره ونواياه الخاصة، وبذلك يستطيع فهم النص "أحسن مما فهمه مؤلفه"(6)، وهذا يعني أن العلاقة بين القارئ والنص لا تسير في اتجاه واحد فقط، وإنما هي علاقة تسير في اتجاهين متبادلين (من القارئ إلى النص) و(من النص إلى القارئ).

- حضور الرمز الصوفي في الشعرالجزائري المعاصر

للتمثيل علىحضور الرمز الصوفي في الشعر الجزائري المعاصر نأخذ هذه النماذج التطبيقية، ولنبدأ بديوان "الوهج العذري" للشاعر الجزائري (ياسين بن عبيد).

- البنية التركيبية لعنوان الديوان: الوهج العذري مركب من عنصرين، مسند ومسند إليه (اسم + صفة) معرفين.
الوهج: لفظة تحمل دلالة العنف والقوة وشدة الشيء (شدة الاشتعال)، شدة الحب أي توهج الحب.
العذري: تعني العفة والصفاء والنقاء والطهر.
فالوهج إذن يوحي بانبجاس شيء ما ألا وهو الحب ثم انفجاره عند بلوغه أقصى درجاته، ولعل ذلك سبب استخدام الشاعر للون الأحمر في كتابة لفظ العنوان للدلالة على معنى الاشتعال.
إن حب الشاعر حب خفي تراكم إلى أن بلغ الذروة فانفجر مشتعلاً متوهجًا، وهذا الحب المتوهج هو حب طاهر نقي عفيف خال من كل الشوائب المادية، والأغراض الحسية وتلتقي العناوين الفرعية مع العنوان الرئيسي لتأكد عذرية هذا الحب ثم لتبرز مرجعية الكثير من عناوين القصائد، وهي مرجعية صوفية واضحة مثل: تراتيل المشكاة الخضراء ... فقد يكون النص خال بشكل تام من أية دوال صوفية على مستوى اللغة، إلا أن العنوان الذي يحمل بعدًا صوفيًا يجعل النص يتصوف، فيصبح يحمل دلالة صوفية.
فالعناوين بمثابة مفاتيح أساسية تساعدنا في ولوج أغوار النص العميقة، وكشف دلالته المختزنة، ولعل هذا ما أبرزته بوضوح الدراسات السيميائية الحديثة التي ترى أن "العناوين عبارة عن علامات سيميوطيقية تقوم بوظيفة الاحتواء لمدلول النص، كما تؤدي وظيفة تناصية إذا كان العنوان يحيل على نص خارجي ...، ويمكن تشغيل العناوين علامات مزدوجة حيث أنها في هذه الحالة تحتوي القصيدة التي تتوجها، وفي الوقت نفسه تحيل على نص آخر"(7).
وهنا نجد أن عناوين القصائد تحتوي النصوص، وفي الوقت ذاته تكشف عن المرجعية الصوفية لهذه العناوين، يقول الشاعر في قصيدة "عروس الكآبة":
أعيدي حديث الأمس ملهمتي الوجدي أعيـدي بقايـاه سأقـرأها وردا
أعيدي ولا تـأني .. حديثك بلسـم من المعضل المـزري بروعتنا أودي
على صدرك الأمنى زرعـت توجـعي وفي سره كأسي..ودفئي..فلا بردا(8)
في هذه القصيدة يستلهم الشاعر لغة الغزل العذري وأجواءه الخاصة، متدرجا في ذكر صفات المحبوب من الحسية إلى التجريد، فقد بدأت القصيدة بذكر الصفات الحسية لتنتهي إلى الحب الروحي، وأغلب الظن أن شعراء الصوفية –كما يرى زكي مبارك- "ابتدأوا حياتهم بالحب الحسي، ثم ترقوا إلى الحب الروحي"(9).
وهكذا نجد ياسين بن عبيد يخاطبنا في شعره بلغة الحب الحسي تارة، والعذري تارة أخرى، وهذا الحب الإنساني يجعله الشاعر معبرًا للوصول إلى الحب الإلهي؛ كما هي الحال في قصائد "يوم بانت سعاد"، و"حبين كنا" حيث يرسم الشاعر في هاتين القصيدتين خريطة هجرات الروح الإنسانية باتجاه النور، والفيض الإلهي. والملاحظ في تجربة ياسين بن عبيد الشعرية أنها تنزع أكثر إلى استلهام رموز الحب العذري، أو ما أسميناه في العنوان السابق بلغة الشوق والحنين، ولذلك نقرأ في شعر(بن عبيد) نزوعًا دائما إلى الموت والفناء في المحبوب.
أنا في عُيونِـك .. ذُبْـت أسِيرُ .. أسيرا .. ولازلت سائرْ
نشرتُ ظِلالي هناك كطفلِِ على شفتيهِ .. إليـكِ يسافِـرْ
ولملمت شملي بلا موعـد إلى قبلتيك بحبـي أهاجِـرْ(10)
في هذا النص تغدو المرأة رمزا للذات العلوية التي يذوب الشاعر فيها ويهاجر إليها بكل مشاعره وأحاسيسه، وهنا يتم تصعيد المظهر الفيزيائي الأنثوي إلى أعلى مستويات الروحانية الصوفية، وهذا يبرز لنا القيم الروحية التي يطرحها النص الشعري الصوفي الجديد ويبرز كذلك علاقة الذات الإنسانية بحقائق الوجود الإلهية، أو العلاقة بين واقع الذات الإنسانية، ورؤاها الروحانية، وهي علاقة قائمة على التنافر، والتضاد مما يعزز الثورة على الواقع، وتجاوزه إلى عالم الأحلام والرؤى.
وفي الديوان الثاني "معلقات على أستار الروح" نلمس وجود السمة الصوفية بشكل واضح، وقد أشار إلى ذلك الشاعر اللبناني (محمد علي شمس الدين) في مقدمة الديوان حيث يقول: "فمفردات الوجد الصوفي، من الخفاء والتجلي، والحب والمرض في الحب، والطريق والسالك، والروح وغصون الروح، والنار والليل والمجاذيب، والتيه وجمر التوجس، والجمر الأخضر، وليلى والتجريد والتوحد .. كل ذلك وسواه هو عدة الشاعر في قصائده، وهي قصائد غزل بل قصائد حب، ربما ذكرتنا ببعض غزل ابن الفارض"(11). يقول ياسين بن عبيد في قصيدة "عائد .. من سفر التلوين":
سافـر أنت يا نـدى مقلتـيا أنا وحدي على نـداك دليلُ
لاح لي في دجـاي نجـم بعيد وطريقي وما انطلقت طويلُ
لست أدري وها قريب صداها ممكنٌ لي الوصل أم مستحيلُ(12)
القصيدة حافلة بالدوال التي ترمز للمرأة مثل: "المقلتين، الصدى، الوصل" ولكن المرأة في هذا النص تتخلى عن صورتها المادية لتتحول إلى رمز روحي شفاف يحيلنا على العشق الصوفي الذي يحير لب الشاعر، ويعمق مأساته في إمكانية الوصال من عدمه بالمحبوب الذي يستعير له أسماء شخصيات الغزل العذري، وعلى رأسهم شخصية (ليلى) التي تحظى بمركز هام في تجارب الشعر الصوفي المغاربي، كما في قصيدة "أنا في هواها جملة" لياسين بن عبيد:
لليلى شعارٌ في الهـوى أم تـردّدُ ونار ليلـى في الرؤى أم تنهَّدُ
عيوني أرانيها الهوى جـزُرًا نأتْ ولكنها ليلـى بها تتـسَّهـدُّ
على الموج جاءت من نواد أحبُّها لها الجرح ممشى والشراعُ ممدَّدُ
وبيني وبين النور ليلـى محيلـةً على شجـر يدني إليه التوحُّدُ
أنا في هواها جملـة غيرُ واحـد أنا في هواها واحـد يتعـدّدُ(13)
وقصيدة "شعار آخر هارب إلى الأندلس":
ليلى شعاري إذا أحببتُ لا النُّجب لم تُبلِ عهدي بها الأحداثُ والحِقبُ
سِرِّي إذا علمَتْ سري وساورها منه ارتيـابٌ .. هـواها كلُّهُ تعبُ
يا أيها الجسد الممحُـوُّ صورتُـه إذا تراءتْ فمنْ رعشاتِـه السحبُ
تهمي وتمطـر آهـاتٍ وداليـةٍ مضفـورةً عنبا ما شكلُـه عنـبُ
... تغتالنـي بتثنيـها إذا ابتعـدت تغتالـني بالتثـني حـين تقتـربُ
وطاولت كل نخلِ الأرضِ ضاوية منها الجوانبُ والأفـلاك والشهبُ
... ليلى .. ويجرحني عطر على أثـر منها يـدل عليها حـين تحتجبُ
... كيف التسلي ومن حولي مواقفها على الدوام وفي سـري لها سببُ(14)
وعند تأمل هذين النصين نلاحظ مدى تداخلهما مع شعر قيس بن الملوح، خاصة من خلال استدعاء شخصية ليلى، والتي ترمز هنا للمحبوب الواحد الأحد.
والشاعر في استدعائه لتجربة (قيس وليلى) لا يقف عند حدودها المعروفة، بل يعطيها أبعادًا جديدة، ويضفي عليها رؤية صوفية، ولذلك يمكن القول إن التناص في هذه النصوص تناص واع، فالشاعر لا يكرر النص الغائب بدلالته التاريخية الدالة على الحب الإنساني بل ينفلت من براثن الجسد، ليدل على الحب الإلهي للنص إذن بعدان:
- بعد ظاهري: مصرح به ولكنه غير مقصود: الحب الإنساني.
- بعد باطني: خفي وهو المقصود: الحب المقدس.
وهذه الرؤية المقدسة للحب تصعد تجربة الحب لتشمل الإنسان والكون، بمعنى آخر هناك تصعيد للحب الإنساني إلى مستوى الحب الإلهي (الفردوس المنشود)، وسعي إلى طرح قيم روحية جديدة، تعتمد مبدأ المواءمة بين واقع الذات الإنسانية، ورؤاها الروحية من أجل خلق عالم جديد منسجم، ولذلك نجد أن الصوفي يبحث دائما عن التشاكل بين عناصر الوجود، بين الجامع والفارق (الحاضر والغائب)، ونتيجة ذلك نفي التناقض الظاهر بين الأشياء انطلاقا من وحدة الوجود؛ لأن الصوفية تنزع إلى استبطان حقائق الوجود والنفس رغبة في معرفة الأشياء من الداخل على حقيقتها لا كما تبدو من الخارج(15)، يقول الرمزيون: "إن الشاعر يستطيع أن يعبر عن العالم الداخلي من خلال العالم الخارجي، أي من خلال المادة، ولكنها ليست المادة الحسية، ولا العقلية، ولا العلمية، وإنما هي المادة الروحانية ... المادة التي ألممنا بها قبلا، والتي ينبغي أن يكون الفنان قد استنبطها وولج إلى أحشائها، وأقام في قلبها بعد أن فض غلافها الخارجي الزائف، ونفذ إلى الحقائق المستترة في قلبها"(16).
هذا بالنسبة للرمزية، أما الصوفية فقد سعت إلى ما هو أعمق، فهي لم تكتفي بالتأمل الباطني لحقائق الوجود، وإنما سعت إلى الاندماج، والتوحد معها من خلال التجربة الحقيقية التي يعيشها الشاعر ويحترق بلهيبها.
ولا نغادر (ياسين بن عبيد) حتى نشير إلى ديوانه الثالث "أهديك أحزاني"، والذي يكثر فيه توظيف رمز المرأة للدلالة على الحب الإلهي، ولعل عنوان الديوان يوحي بأن الخطاب موجه للمرأة يبثها الشاعر أحزانه وآلامه، والمرء لا يبث أحزانه إلا لمن يملك القدرة على تغييرها، وتحويلها إلى أفراح ومسرات، يقول الشاعر في القصيدة الأولى "أغنية النار الخضراء":
يا صباها تنهـدّت نظـرتاها بكـلام كواحـةٍ في فـلاةٍ
غـنّ قالت وما عليك عتـاب وقـف العُمـر شادي المأساةِ
غني .. غني فـأنت شـهودي يا ذهـولاً على مشارف ذاتي
قلت للرمـش والبقايا شهـود أنت منفـاي أنت كل جهاتي
وانسحبنا إلى ضفـاف التلاشي ثم قلنـا: هنا بقـايا الحـياة!!
رُبَّ منـها جلالـة وشظايـا وزعتـني فما التقت أشتاتـي
هي (أدنى من الضمير إلى الوهـ م وأخفى من لائح الخطرات)(17)
ربة النور، قل لها كيف أنسـى كيف أخفي الهوى بحزن سمات
كيف أنسى وكنت آنست نارًا واصطلينا ونحـن واحـد ذاتِ
لا حلولٌ .. ولا اتحاد .. ولكن للهوى شرعة .. ولي سكراتي(18)
هذه القصيدة (فاتحة الديوان) تحاكي بشكل واضح لغة الشعراء العذريين، ولكن هذه المحاكاة لا تقوم على الاجترار، والتقليد السطحي، وإنما تقوم على ملامسة وجدان المتلقي ونقل المشاعر والأحاسيس.
القصيدة تضعنا منذ البدء في رحلة روحية تنطلق من حب المخلوق إلى حب الخالق فالمرأة حاضرة في القصيدة ولكن بشكل روحي رمزي يحيلنا على المحبة الإلهية، ولعل ذلك ما دعا الشاعر إلى تضمين القصيدة بعض المقاطع من شعر الحلاج، كما في البيت السابع وذلك لمزيد من الإيحاء بالدلالة الصوفية للمرأة في سريتها الكاشفة.
إن انخراط الكتابة الصوفية عند ياسين بن عبيد في استدعاء الأنثوي، واستثماره في صياغة القصيدة الصوفية يدل على انخراط الشاعر في دين المحبة، والشوق للمحبوب، والمحبة شراب لا يرتوي منه صاحبه مهما شرب منه، ويضمن هذا السياق يأتي احتفال ياسين بن عبيد بالرمز الأنثوي.
هذا الرمز الذي يمارس في النص فعل الحجب، والكشف معًا، وهذه هي طبيعة الرمز الصوفي بشكل عام؛ إنه كالسحاب الذي يغطي الشمس لا ليخفيها، وإنما ليقلل شدتها حتى يمكن التحديق فيها دون أن تخشى الاحتراق.
فاللغة الصوفية لغة تجاوزية منفتحة على هاجسها الإلهي، والإلهي يحضر في كل شيء في المرأة، في مظاهر الطبيعة في عناصر الكون الفسيح، فالله في عرف الصوفية "أراد أن يرى صورة نفسه فخلق آدم على صورته، فكان كالمرآة له، وما الإنسان، وما العالم إلا تجلٍّ من تجليات الله، ما الحب إلا حب لله، فهو المعشوق الذي لا تدرك حقيقته إلا بحركة عشق تجاهه تتخذ من المناجاة وسيلة، ومن الخيال طريقة ومن الشعر ترجمانًا" (19).
والشاعر لا يسعى من وراء هذا الحب لتحقيق الاتصال الحسي، فهو حب روحي يتوجه من أسفل إلى أعلى (من الناسوت إلى اللاهوت)، أو من السطح إلى العمق (الارتداد إلى الذات) والتوحد مع المعشوق كما يقول الشاعر:

لا حلولٌ .. ولا اتحاد .. ولكن للهوى شرعة .. ولي سكراتي(20)

وهنا يبلغ الشاعر قمة التوهج والاشراق، والانفعال الداخلي حتى بصل درجة السكر والانتشاء بالمحبة الإلهية، ووصول الشاعر إلى هذه الحال يدل على قوة الانفعال، كما يدل على امتلاء قلبه بالحب الإلهي، وهنا يتوحد الشاعر مع عمق المرأة فيحيا فيها، بل يولد من خلالها ولادة جديدة، وهذه الولادة تعني تحقيق الوصال، وتحقيق السمو إلى الآفاق.

نحن إذن أمام تجليات روح منها يولد النص، ويتخلق، والشاعر عندما يحتفي بالمرأة فهو يحتفي بالمرأة / الرمز، المرأة / الروح، التي هي كون بشغل زمانًا لا نهاية له، ومكانًا لا حدود له، فالمرأة ليست جسدًا ميتًا بل هي روح متحركة تتجدد، وتتشكل باستمرار من خلال الأشياء المحيطة بها.

وهذا ما نجده في هذا الديوان، حيث لا يحضر رمز المرأة بصيغته الأساسية المعروفة (امرأة)، بل يأتي بصيغ أخرى، حيث يشير الشاعر إلى جملة من الصفات، والسمات الأنثوية الخاصة يتخذها رمزًا دالاً على المرأة.

- وسنقوم الآن بإحصاء نسبة حضور رمز المرأة في الديوان

عدد المرات


عنوان القصيدة


الرمز

مرة


أغنية النار الخضراء


عيني

//


//


صوتها

//


//


وشمها

//


//


وجهها

//


//


صبا

//


//


بريق

//


//


نظرتاها

//


//


الرمش

//


//


جلالة

//


//


ربة النور

//


//


سحرها

مرتان


قبلة على جبين القمر الأخضر


الرموش

//


//


العيون

//


في محراب الحزن أتلوك


عينيك

مرة


//


أحبيبتي

مرتان


كما يشتيها الموج


عينيك

مرة


على شفتي طائر من حنين


القلب

مرتان


//


عيناك

مرة


//


السحر

//


//


وجنتيك

مرة


على شفتي طائر من حنين


شفتي

//


الجسد الغيم


الهمس

//


//


لوزًا

//


//


قزحية

مرتان


//


ناظريها

مرة


//


سحر

//


//


هي المستحيل

//


//


هي الممكن

مرتان


أهديك أحزاني


عينيك

مرة


//


رقراقة الأصداء

//


//


همسة

//


//


وجدك

//


فارس في مملكة القيم


عيناك

//


//


جفناك

//


على صهوة الأنين


صباك المرمري

//


//


عينيك

//


//


مجلاك الصبوح

مرتان


//


هدبيك

مرة


//


أخت الفجر

خمسة عشر مرة


رباعيات اللوز والمرمر


اللوز

مرتان


//


عينان

مرة


//


وردة ماست

//


قالها وبه وجع من حنين


خدّها الفجر

//


//


همسها

//


//


الرموش

مرة


قالها وبه وجع من حنين


جنوبية العينين

//


//


قمر

مرتان


من مغربك الشروق


عيناك

//


//


أخت الفجر

//


//


شفاهك

مرة


//


ضفائرك

//


على ضوء القمر


الحسن

مرتان


//


لوزيا

مرة


//


عينيه

//


إني يقاتلني الغروب


ربة الحسن

ثلاث مرات


//


بحيرة العينين

مرة


//


يا ضوئية الأوضاح

//


//


صفائر ممراح

//


//


ثغرك الوضاح

//


//


صدر

//


//


غضارة

//


//


فجرك النضاح

//


//


عروس جراحي

//


تنهـدي


عينيك

//


//


أغرودة الروح

//


//


خصرها

//


ألقـاك


وجهك العلوي

//


أعاصير الروح


عيونها

من خلال هذا الجدول الإحصائي لحضور رمز المرأة في الديوان السابق، تبرز هذه الرموز على النحو الآتي:

1- العيون: هي أكثر الرموز حضورًا في القصيدة، فقد ورد أربعا وعشرين مرة، والعيون هي السمة الأنثوية البارزة.

2- اللوز: رمز خاص ورد في قصيدة (رباعيات اللوز والمرمر) خمسة عشر مرة ومرتين في قصيدتين أخريين، فيكون المجموع سبعة عشر مرة.

والمعلوم أن اللوز من الثمار التي تغلفها قشرة صلبة، وبذلك تتشاكل مع الإنسان الذي يتكون من جسد وروح، والجسد هو بمثابة الغلاف / القشرة للروح، فإذا كسرنا القشرة حصلنا على لب الثمرة، والذي يماثل الروح عند المرأة، وكما أننا لا نحفل بالقشرة وإنما نحفل باللب فكذلك في التجربة الصوفية.

3- أنت الفجر: وما في معناه، ورد سبع مرات.

4- السحر: ورد هذا الرمز أربع مرات.

ثم تأتي بقية الرموز، وكما نرى فإن الشاعر في هذا الديوان لا يقف عند توظيف رمز المرأة باللفظ المألوف وإنما عمد إلى خلق رموز كثيرة، بعضها جديد قلما نجده عند غيره من الشعراء، مثل لفظ (اللوز) الذي ارتقى به إلى مستوى الرمز، فغدا يشي بالدلالات الصوفية شأنه شأن الرموز الصوفية المألوفة.

نحن أمام تجليات جسد، وتجليات روح، والشاعر يحتفي بالروح، بالجوهر (الكنز المخفي)، أو المعنى الباطن على حساب المعنى الظاهر السطحي، وهذا يتطابق مع الخصوصية التغييرية للتجربة الصوفية، والتي تشكل الواقع تشكيلاً جديدًا وفق منهج الهدم والبناء، أي هدم الظاهر، وبناء الباطن، وهذا ما يصرح به بن عبيد في قوله:

غـضًّـا تبـرّج وامتـدت مـواسمـه وأطيـب اللَّـوز ما عرَّاه ريعانُ

...ماكنت أروى بدون اللوز..هل شربتْ يمناي ضوءًا..وضوء اللوز معتقدي(21)

شاعر جزائري آخر تحضر المرأة في شعره بنسبة كبيرة تجاوز الثلث، إنه الشاعر (عثمان لوصيف) الذي يكشف شعره عن نزعة خاصة، فهو يعشق الجمال، ويذهل أمام الحسن البديع للمرأة التي تتحول في كتاباته إلى رمز مفعم بالدلالات:

المرأة: ترمز إلى Ü - الحزن والإحساس بالغربة

- القلق الوجودي

- الشوق إلى البدايات

- التوحد مع المطلق ...إلخ

يقول الشاعر في قصيدة "تلك صوفيتي":

تلك صوفيتي

أن أطالع في نور وجهك

سر الحياة

وسر الغوايات

أنا أتوضأ بالعشق في ظل عينيك(22)

يستوقفنا في هذا النص لفظ (العشق)، والذي يعني في المعجم الصوفي "إفراط المحبة أو المحبة المفرطة ...فإذا عمّ الحب الإنسان بجملته، وأعماه عن كل شيء سوى محبوبه، وسرت تلك الحقيقة في جميع أجزاء بدنه، وقواه، وروحه، وجرت فيه مجرى الدم في عروقه، ولحمه وغمرت جميع مفاصله، فاتصلت بوجود، وعانقت جميع أجزائه جسمًا وروحًا، ولم يبق فيه متسع لغيره ...حينئذ يسمى ذلك الحب عشقا".(23)

"والمحبة اسم جامع لعدد من الصفات عند ابن عربي، ولذلك نراه يوحد الهوى والحب، والود والعشق، في عاطفة لها طبيعة واحدة تختلف بالصفات فتتغير عليها الأسماء".(24)

وهكذا يبدو لنا أن المحبة عاطفة واحدة، ولكنها تتطور، وفي كل مرحلة من تطورها تأخذ اسمًا خاصًا، فالعشق كما رأينا هو إفراط المحبة.

ولعل هذا هو الذي جعل عثمان لوصيف يستحضره في النص السابق للدلالة على عنف التجربة الصوفية لديه إلى حد أن الشاعر يتوضأ بالعشق، ليتطهر من أدران الواقع كما يتطهر المصلي بالماء الطهور، أي أنه يسمو عن الواقع المادي، ولذلك يغدو عشقه عشقًا روحيًا طاهرًا لا تشوبه الأغراض المادية، إنه حب جوهري أصيل، حب إلهي خالص يسعى إلى الارتقاء بالعاطفة والوجدان، ويغدو جمال المرأة رمزًا للجمال الإلهي المبثوث في كل عناصر الوجود؛ فتغيب المرأة /الأنثى، وتولد المرأة /الرمز التي تتقمص الوجود، وتغمر الكون.

جمالك يغمر كل الوجود

أحسك في روعة الفجر

أسمع صوتك بين النجوم

ألمس ريحك في كل زنبقة تتفتح(25)

إن الجمال الإلهي يغمر كل الوجود، والشاعر يحس به في كل مظاهر الكون؛ في الفجر، بين النجوم، وفي كل زنبقة تتفتح، وهذا تأكيد لوحدة الوجود التي قال بها ابن عربي،(26) والمرأة تجلي لهذا الوجود المطلق، بل هي أفضل مظاهر تجليه، و"أعظم الشهود وأكمله"(27) كما يرى ابن عربي، ولذلك يعشق الشاعر المرأة، ويعشق كل شيء جميل في الوجود.

تأسيسًا على ما تقدم يمكن القول: "إن المرأة بوصفها المحبوبة رمز الأنوثة الخالقة للرّحم الكونية، وهي بوصفها كذلك علة الوجود، ومكان الوجود، والعاشق لكي يحضر فيها يجب أن يغيب عن نفسه عن صفاته، يجب أن يزيل صفاته، لكي يُثْبت ذات حبيبته، وينوجِد بهذه الذّات"(28) وهنا ينفتح الرمز /المرأة على دلالات شتى:

- الدلالة الاصطلاحية: المرأة رمز Ü للحب الإلهي، والجمال الإلهي

- الدلالات الجديدة: المرأة ترمز Ü لـ: كل ما هو جوهري وأصيل في الحياة

السمو على الواقع

الحقيقة الخفية

الجوهر المفقود

وهكذا يصبح للمرأة بعد ظاهري محسوس (المرأة /الجسد)، وبعد باطني خفي يتوصل إليه بالقراءة التأويلية.

ويتخذ الرمز منحى تصاعديا من البعد المادي إلى البعد الروحي المفتوح على شتى الاحتمالات، وبذلك يخلق الشاعر المرأة خلقا جديدا عن طريق إفراغ المرأة من دلالتها المادية ثم شحنها بالدلالات الروحية الجديدة، وبذلك يؤول الرمز إلى طبيعته الأساسية، وهي التأليف بين الخاص والعام، بين السماوي والأرضي، بين المادي والروحي.

ولعل ما يميز توظيف عثمان لوصيف لرمز المرأة في شعره هو هذا المزج بين المرأة والطبيعة، وإسقاط الصفات الأنثوية على عناصر الطبيعة المختلفة، فروح المرأة حال في كل عناصر الوجود، كما أن الذات الإلهية حالة في الوجود، أو أن الشاعر قد فني بكليته في الجوهر الأنثوي، فأصبح لا يرى ذاته ولا يرى الواقع خارج هذا الجوهر، فقد تلون بلون المرأة واتشح بوشاحها، فحيثما تتوجه ببصرك فثمة وجه المرأة.

هذا الحضور للطبيعة يبدو وبشكل واضح في ديوان "ولعينيك هذا الفيض" و"اللؤلؤة"، ولعل ذلك يمثل مظهرًا من مظاهر وحدة الوجود، فالوجود واحد، وإن تعددت تجلياته، وما مظاهر الطبيعة المختلفة إلا تجليات للحق.

إن الشاعر في توظيفه لمظاهر الطبيعة(29) لا يقف موقفا سلبيا، بل يتفاعل معها يبحث عن الجوهر القابع بداخلها، عن روحها المستترة، هذه الروح التي تسري في الوجود، وفي عناصر الطبيعة، فتضم الكائنات جميعها في نسيج واحد متلاحم، ولكن النظرة المادية الروتينية جعلتنا لا ننتبه لها، ولا ندرك حضورها، ولكن الشاعر بحسه المرهف يستطيع أن يتغلغل بشعوره في صور الطبيعة وأشكالها المختلفة، وبذلك يولد رموزًا صوفية جديدة مصدرها الطبيعة بمظاهرها المختلفة الحية والجامدة.

وقضية توليد الرمز ليست بالأمر الهين، إذ أن الشاعر كي يستطيع أن يرتقي بعناصر الطبيعة إلى مستوى الرمز لا بد أن يعيش الحالة بامتلاء على مستوى الوجدان والروح، ومن خلال معانيها العميقة، فتتروحن مظاهر الطبيعة، وترق حتى تصل مستوى الرمز المتعدد الأبعاد الحافل بالدلالات، ولذلك قلنا سابقا إن صدق الإنسان المعاصر في علاقته مع الأشياء يجعله متصوفا، الصدق إذن هو معيار الإبداع، كن صادقا تكن فنانًا.

ومن علامات الصدق أن يرتبط الشاعر بماضيه وبتراثه، وهذا الارتباط بالتراث يظهر بجلاء عند الشاعر المغاربي الذي لا ينسى وهو يلج أبواب الماضي "أن هناك تراثًا شعريًا مترعًا بالرموز الصوفية التي تكهرب الأوصال، وتهز الوجدان وتدفع بالتالي إلى مزيد من الفعالية في مواجهة التفكك والانحلال والهبوط الروحي"(30)، ولم تكن هذه الثورة مجرد نزوة عابرة وإنما كانت "وليدة أزمة روحية وفكرية شكلت صدمة للواقع والإنسان، وحركت فيه بواعث الرغبة في التغيير، وتنقية الذات مما علق بها من شوائب"(31).

وقد عبرت الصوفية عن هذه الرغبة المتأججة على لسان (جلال الدين الرومي) الذي يقول: "إن الهواء الذي أنفخه في هذا الناي ليس هواء، وكل من ليست له هذه النار فليمت"(32).

الهوامش

(1) تودوروف، نقلاً عن فريد الزاهي، النص والجسد والتأويل، إفريقيا الشرق، المغرب 2003، ص 57.

(2) فريد الزاهي، النص والجسد والتأويل، ص 57.

(3) ينظر السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، ج2، 1973، ص 173.

(4) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص، المركز الثقافي العربي، بيروت 1990، ص 230.

(5) ينظر محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، دار الطليعة، بيروت 1985، ص 09.

(6) نصر حامد أبو زيد، إشكالية القراءة وآليات التأويل، ص 22.

(7) جميل حمداوي، "السيميوطيقا والعنونة"، مجلة عالم الفكر، الكويت، ع (3 مارس 1997) ص98، 99.

(8) ياسين بن عبيد، الوهج العذري، ص12.

(9) زكي مبارك، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، ص248.

(10) ياسين بن عبيد، الوهج العذري، ص31.

(11) ينظر مقدمة ديوان ياسين بن عبيد، معلقات على أستار الروح، منشورات دار الكتب، الجزائر 2003، ص09.

(12) المصدر نفسه، ص24.

(13) المصدر نفسه، ص31.

(14) ياسين بن عبيد، ديوان معلقات على أستار الروح، ص32، 33.

(15) ينظر أمين يوسف عودة، تأويل الشعر وفلسفته عند الصوفية (ابن عربي)، منشورات رابطة الكتاب الأردنيين، عمان، ط1، 1995، ص149.

(16) إيليا حاوي، الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي، ص12.

(17) البيت مقتبس من شعر الحلاج.

(18) ياسين بن عبيد، أهديك أحزاني، المطبوعات الجميلة، الجزائر 1998، ص13.

(19) محمد الكحلاوي، "الرمز والرمزية في النص الصوفي، ابن عربي نموذجًا"، مجلة الحياة الثقافية، تونس ،ع 75، ماي 1996، ص 28، 29.

(20) ياسين بن عبيد، أهديك أحزاني، ص13.

(21) ياسين بن عبيد، أهديك أحزاني، ص 58، 59.

(22) عثمان لوصيف، براءة، دار هومة، الجزائر 1997، ص44.

(23) سعاد الحكيم، المعجم الصوفي، ص303.

(24) المرجع نفسه، ص302.

(25) عثمان لوصيف، براءة، ص44.

(26) وتعني "ظهور الحق في كل صورة ...فهو [تعالى] المتجلي في كل وجه، والمطلوب في كل آية، والمنظور إليه بكل عين، والمعبود في كل معبود، والمقصود في كل الغيب والشهود".

- ينظر سعاد الحكيم، المعجم الصوفي، ص1151.

(27) ينظر ابن عربي، فصوص الحكم، (فص حكمة فردية في كلمة محمدية).

(28) أدونيس، الصوفية والسوريالية، ص 107.

(29) لم تكن رموز الطبيعة في الشعر الصوفي بمعزل عن رمز الجوهر الأنثوي، مما يهدي إلى أن الصوفية قد بسطوا شعرهم في المرأة وامتدوا بها في نسيج الأشياء بوصفها رمزا للفعل والانفعال، وتلويحا إلى قيمة استطيقية عالية.

- ينظر عاطف جودة نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، ص306.

(30) ينظر مقدمة ديوان حسن الأمراني، ثلاثية الغيب والشهادة، منشورات المشكاة، المغرب 1989، ص 55.

(31) عبد القادر فيدوح، الرؤيا والتأويل، ص 64.
(32) ينظر محمد مصطفى هدارة، "النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر"، مجلة فصول، ع4/ 1981، ص146.

0 التعليقات

أكتب تعليقا على الموضوع

جميع الحقوق محفوظة جمعية الكلمة تصميم مكتبة خالدية